Skip to main content

الخطية الأصلية [2/ 8]: الطبيعة الفاسدة


مينا م. يوسف

[إن تأملت بما لي من خير قلت أي شيء لي ولم آخذه منك؟ وإن كنت أخذته فلم اتباهي كأني ما أخذته؛ أنا ما استطعت من نفسي شيئاً، سوى أن أهلكها. وما عرفت أن أجدك أنت يا صانعي لو لم تطلبني.] (القديس أوغسطينوس)[1]

إن مصطلح الخطية الأصلية كغيره من المصطلحات اللاهوتية لم يرد في الأسفار المقدسة مباشرة، لكنّه يلخص حقيقتان هامتان للغاية: الفساد الموروث والذنب الموروث. في هذا المقال سنرّكز على الفساد الموروث، تاركين الحديث عن الذنب الموروث لمقالنا التالي. في كتابه أصول الإيمان المسيحي، عرّف جون كالفن الخطية الأصلية بأنها:
الانجذاب والفساد الموروث لطبيعتنا، المنتشر من خلال كل أجزاء النفس، مما يضعنا تحت غضب الله الرهيب، وينتج فينا تلك الأعمال التي يدعوها الكتاب المقدس "أعمال الجسد". (غلاطية 5: 19)[2]
لم يخلق الله الإنسان الأول وبداخله ميل أو ضعف نحو العصيان؛ كما أن الخطية ليست جزءاً أصيلاً ينتمي إلى الطبيعة البشرية أو الصورة التي خلقنا الله عليها في البدء،[3] إنما كما يقول الرسول بولس: "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ". (رومية 5: 12) فهناك سمة ارتباط بين معصية الإنسان الأول آدم وفسادنا نحن ذريته! يشرح هرمان بافنيك ذلك بقوله:
فالخطية التي ارتكبها آدم، لم تبق مقتصرة على شخصه فقط، بل تعدته ليستمر مفعولها في الجنس البشري كله ومن خلاله. فإننا لا نقرأ أن الخطية بإنسان واحد دخلت إلى شخص واحد بل إلى العالم (رو12:5). وكذلك أيضاً الموت اجتاز إلى جميع الناس، وهذا حق لأن جميع البشر أخطأوا في شخص ذلك الإنسان الواحد.[4]
هذا هو الخبر السيء الذي يسبق خبر الإنجيل السار. الخبر الذي استلزم أن يصير ابن الله بشراً بلا خطية، ويطيع حتى الموت، ليهبنا التبرير (رومية 5: 17-19). فالإنسان الطبيعي لا يرفضل فقط خبر الإنجيل، بل إنه يرفض أيضاً خبر عجزه وفساد طبيعته. ويؤكد ذلك جون كالفن في كتابه أصول الإيمان المسيحي، إذ يقول:
إنني على دراية بذلك الرأي السائد المقبول ظاهرياً، الذي يدعونا إلى النظر إلى صلاحنا، بدلاً من النظر إلى فقرنا وخزينا البائس الذي يغمرنا بالعار. إذ ليس للعقل البشري رغبة أكثر من التملّق المُلطِّف؛ لذا، فهو يُنصت بسذاجة شديدة، ليستمع إلى تفوقه العظيم. ولهذا السبب، للأسف، سقط أغلب البشر في ذلك الخطأ الخبيث. فحب الذات المُفرط هو فطرياً في كل البشر... فلا يوجد شيء يشبعهم أكثر من أن يسمعوا خطاباً يتملق كبريائهم العامل تلقائياً في قلوبهم. لذلك، كل منٍ يفخّم في وعظه الطبيعة البشرية، ينال تصفيقاً حاداً من جميع الأعمار تقريباً... لذلك، فمن حَضر لأولئك المعلمون الذين يمتعونا بعرضٍ مجرّدٍ لفضائلنا، لن يحرز أي تقدمٍ في معرفة نفسه، إنما سيبتلع في جهلٍ مهلك.[5]
لذا فنحن في أمس الإحتياج لكلمة الله لنعرف من هو الإنسان على حقيقته، ومن هو الله في نقاءه؛ لنعرف عجزنا وفسادنا، وأنه ليس فينا شيء صالح يدفع الله ليحبنا ويحركه لخلاصنا. فبحسب الوحي المقدس، أدخل سقوط آدم الموت والخطية إلى العالم وأصبح البشر جميعهم ذو طبيعة فاسدة؛ تعادي الله في الفكر (كولوسي 1: 21؛ أفسس 4: 18)؛ وتبغضه (رومية 1: 30)، ولا تُسر بطرقه (أيوب 21: 14)؛ ولا تفهم أو تقبل ما لروحه (1كورنثوس 2: 14). أصبح لهم أبٌ واحدٌ يفعلون مشيئته وشهواته هو إبليس (يوحنا؛ أفسس 2: 2-3). أصبحوا متجنبون عن حياة الله (أفسس 4: 18)، إذ تشتهي طبيعتهم الفاسدة ضد الروح (غلاطية 5: 17)، ولا تستطيع أن ترضي الله أو تخضع لناموسه المطبوع في ضمائرهم (رومية 8: 7-8). باتوا شجرة رديّة غير قادرة على أن تثمر أي ثمرٍ صالح (متى 7: 17-18).
أصبح الإنسان مستعبد للخطية (يوحنا 8: 34)، وغير قادر على إختيار الخير، لأنه بات أمراً ضد طبيعته الفاسدة! أصبح الإنسان -كما يقول جيمس أنس- لا يقدر، لأنه لا يريد، كما أنه لا يقدر أن يريد من ذاته.[6] وليس معنى ذلك أن يكون الإنسان بالضرورة يعمل الشر، ولكن يعني أن حتى الخير الذي يعمله الشخص، هو خطأ في منطقه، وفي دوافعه وفي تطبيقه! ويصف كالفن طبيعتنا البشرية بقوله:
لأن طبيعتنا ليست معدمة فحسب من كل خير، ولكنها أيضاً خصبة جداً لكل الشرور، لذا فهي لا تقدر أن تبقى ساكنة![7]
والكتاب المقدس مليء بالآيات التي تتحدث عن أن البشر جميعهم في حالة فساد داخلي وقلب شرير. فيقول موسى في (تكوين 6: 5): "وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ". وقال الجامعة: "وَأَيْضًا قَلْبُ بَنِي الْبَشَرِ مَلآنُ مِنَ الشَّرِّ، وَالْحَمَاقَةُ فِي قَلْبِهِمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ". (جامعة 9: 3) ودوّن إرميا هذه الكلمات القاطعة: "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ". (إرميا 17: 9) في هذه الآية وصف النبي القلب بصفتان: "أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"، وفي العبري "עקב"، وتعني أخدع أو أفسد أو أكثر إلتواءاً؛[8] وبأنه "نَجِيسٌ" أو "אנשׁ" وتعني عديم الشفاء، وقد وردت ذات الكلمة بهذا المعنى في إرميا 30: 12 و15.[9]
وتعاليم المسيح ليست بعيدة عن هذا الحق، كما يدّعي البعض! فتعاليم المسيح في مجملها كانت تدور حول أن لُب المشكلة هو في القلب الفاسد والشرير. فالمشكلة ليست في الزنى الخارجي الذي يقترفه الشخص، بل في القلب الشرير الذي يشتهي (متى 5: 27)؛ وليست في السرقة، بل في القلب الطمّاع المُحب للمال (متى 6: 19-21؛ لوقا 12: 15)؛ وليست الخلافات بين الزوجين هي سبب الطلاق، إنما القلب القاسي الشرير (متى 19: 8). فالمسيح قد أعلنها صراحةً قائلاً: "لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. جَمِيعُ هذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ". (مرقس 7: 21)
فالمسيح أكد على عمومية فساد كل البشر بقوله: "لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ". (مرقس 10: 18؛ لوقا 18: 19) وحين آمن به كثيرين إذ رأوا الآيات التي صنع، يقول يوحنا: "لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ... لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي الإِنْسَانِ". (يوحنا 2: 23-25) كان يعلم يسوع ما في الإنسان من طبيعة وقلب شرير. فالذين لم يولدوا من الله (يوحنا 1: 12-13)، ولم يختن الله قلوبهم ويغيرها بروحه، حتماً سينقلبون يوماً على المسيح، وإن ادّعوا الإيمان ظاهرياً.
وهذا ما أكدّه المسيح لنيقوديموس بقوله: " اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ". (يوحنا 3: 6-7) لأنه: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ". (يوحنا 3: 3) فلما الإحتياج إلى الميلاد الثاني، طالما أن الإنسان يولد حياديٌ بالفطرة، كما يدّعي الإسلام والبلاجيين المعاصرين؟ لقد استلزم وجود ميلاداً ثانياً وخليقةً جديدة، بسبب فساد الطبيعة الأولى! واستلزم أن يأتي ابن الله من علاه كآدم الأخير (1 كورنثوس 15: 45)، ليكون رأساً للخليقة الجديدة، عوضاً عن آدم الأول الذي أدخلنا إلى الفساد والشر. فالأمر أكبر من مجرد ان الإنسان خطّاء كما في الاسلام، لكنه خاطي وفاسد، والخطية متجذرة فيه. أو كما قال هيرمان بافينك أن النزعة إلى الشر ليست رداءاً متسخاً (مؤثراً خارجياً) يمكن خلعه وطرحه جانباً؛ بل هو أمر توارثناه وأصبح ملتصق بطبيعتنا الداخلية.[10]
فحتى الأطفال يولدون بقلب ملوث يجمح نحو الشر؛ وهذا الأمر يؤكده الكتاب في أكثر من موضع؛ فيقول الحكيم في أمثال 22: 15: "اَلْجَهَالَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِقَلْبِ الْوَلَدِ". وكلمة "ولد" بالعبري هي (נער) وتشير إلى الشخص من مرحلة الولادة، كما في يشوع 6: 21، إلى مرحلة البلوغ.[11] وهي ذات الكلمة التي استخدمها الله في تكوين 8: 21 إذ قال: "لأَنَّ تَصَوُّرَ [imagination][12] قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ". وكلمة حداثته هنا هي (נערה) وتعني طفولته (Childhood).[13]
وقال المرنم: "زَاغَ الأَشْرَارُ مِنَ الرَّحِمِ. ضَلُّوا مِنَ الْبَطْنِ، مُتَكَلِّمِينَ كَذِبًا". (مزمور 58: 3). وأيضاً عبارته الشهيرة: "هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي". (مزمور 51: 5). فداود هنا –كما يقول كالفن- ليس بصدد عرض خطايا أمه أو أبيه، إنما في مزمور اعترافه الشهير هذا يقر ويعترف بفساده من لحظة تكوينه.[14] وقال إشعياء عن شعب إسرائيل: "لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تَعْرِفْ، وَمُنْذُ زَمَانٍ لَمْ تَنْفَتِحْ أُذُنُكَ، فَإِنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَغْدُرُ غَدْرًا، وَمِنَ الْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِيًا". (أشعياء 48: 8)
ولهذا نجد أطفالاً يكذبون دون أن يشاهدوا أحداً يكذب أمامهم، ويعصون دون أن يعلمهم أحد العصيان؛ بل وكثيراً ما يتصرفون بأنانية وخبث وعناد! من علمهم هذا؟ أننا –كما يقول دايف ايرلي- لا نعلّم أبنائنا كيف يقترفون المعاصي، فهم يعرفون ذلك جيداً! لكننا نضطر أن نعلمهم كيف يفعلون الصلاح؛[15] إذ أنهم بالطبيعة الفاسدة التي ورثوها يجمحون نحو فعل الشر وليس الخير![16]
في الختام نقول أنه لا يمكننا فصل الخبر السار (الإنجيل) عن خبر السقوط المذري. ولن نتمكن من إدراك مدى حاجتنا وإمتناننا لعمل نعمة الله المخلّصة، إلا حين ندرك مدى فساد طبيعتنا وعدم استحقاقنا لشيء. "فعندما نقول أن الإنسان يجب عليه ألا يلمح في ذاته شيئاً يفخر به متغطرساً، فنحن نعني أنه لا يوجد شيئاً فيه يعطيه ثقةً تستدعي التفاخر"، كما قال كالفن.[17]
إن الحديث عن الخطية الأصلية وفساد طبيعتنا ليس أمراً جدلياً عقيماً، إنما أمراً هاماً لمعرفة أنفسنا وحاجتها لعمل الله، وإنه ليس لأي استحقاق فينا، فنحن عاجزين عن أن نحب الله أو نتبعه؛ لكن لأجل نعمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس. لذا، قال أوغسطينوس:
اسمع المسيح القائل: ليس أحد يأتي إليً ما لم يجتذبه الآب الذي أرسلني. لا يمكنك أن تقبل إلى المسيح إلا مجتذباً... وإياك ان تقول جئت حراً بإرادتي... لا يسعك أن تذهب إلى المسيح ما لم يجتذبك الآب إليه... لأن الله هو الذي يعمل فيك الإرادة والعمل على حسب مشيئته... ولا تعتقد بأنك أخذت لأنك استحققت، أنت الذي لو لم تأخذ أولاً لما كان بوسعك أن تستحق. سبقت النعمة استحقاقك، وليست النعمة من الاستحقاق، بل الاستحقاق هو من النعمة. لو صدرت النعمة عن الاستحقاق، لكنت اشتريت ما أخذته ولما كان بلا ثمن... تبحث عن الاستحقاق فلن تجد سوى العقاب، وتبحث عن النعمة فيالعمق غنى الله![18]




[1]اغسطينوس، خواطر فليسوف في الحياة الروحية، ترجمة الخوري يوحنا الحلو. (بيروت: دار المشرق، الطبعة السابعة 2004)، 349
[2] John Calvin, Institute of the Christian Religion vol. I (Philadelphia: Presbyterian Board of Publication, 1813), 295.
[3]J.I. Packer, "Original Sin - Depravity Infects Everyone". Website of Monergism. Read on Dec. 25, 2011. Available at http://www.monergism.com/_original_sin_depravity_infect_1.php
[4]هيرمان بافينك، بين العقل والايمان الجزء الثاني. ترجمة سعيد باز. (القاهرة: مطبوعات الشرق الأوسط، 1993)، 187
[5]  John Calvin, Institute of the Christian Religion vol. I (Philadelphia: Presbyterian Board of Publication, 1813), 286 & 287.
[6]جيمس أنس، علم اللاهوت النظامي. (القاهرة: الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة، 2005)، 365
[7] John Calvin, Institute of the Christian Religion vol. I (Philadelphia: Presbyterian Board of Publication, 1813), 296.
[8]Group of Theologians, E-Sword Version 7.9.8 on CD. (USA, 2008), Strong's Hebrew Dictionary: H6121
[9]Strong's Hebrew Dictionary: H605
[10]هيرمان بافينك، بين العقل والايمان الجزء الثاني. ترجمة سعيد باز (القاهرة: مطبوعات الشرق الأوسط، 1993)، 176
[11]Strong's Hebrew Dictionary: H5288
[12]Group of Theologians, E-Sword Version 7.9.8 on CD. (USA, 2008), King James Version: Gen 8:21
[13]Strong's Hebrew Dictionary: H5271
[14] John Calvin, Institute of the Christian Religion vol. I (Philadelphia: Presbyterian Board of Publication, 1813), 291.
[15]Dave Earley, 21 reasons bad things happen to good people. (Ohio: Barbour Publishing Inc., 2002), 18
[16]Wayne Grudem, Systematic Theology. (Michigan: Zondervan, 1994), 496
[17] John Calvin, Institute of the Christian Religion vol. I (Philadelphia: Presbyterian Board of Publication, 1813), 288.
[18]اغسطينوس، خواطر فليسوف في الحياة الروحية، ترجمة الخوري يوحنا الحلو. (بيروت: دار المشرق، الطبعة السابعة 2004)، 346-348.





Comments

Popular posts from this blog

هل يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المسيحي الحقيقي؟

مينا م. يوسف مقدمة: تمتليء المكتبات المسيحية والمنابر الكنسية بالعديد من التعاليم الغريبة التي ظهرت مؤخراً، والتي تنادي بأن المؤمنين الحقيقيين بالمسيح يمكن أن تسكن أجسادهم أو نفوسهم أرواحاً شريراً؛ ويكونون كغير المؤمنين في إحتياج لطردها من حياتهم عبر مؤمن آخر. -          فهل حقاً يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المؤمنين؟ -          وهل يوجد أدلة كتابية تؤكد أو تنفي ذلك؟ -          ومدى خطورة رفض أو قبول هذا التعليم؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي يحاول الباحث من خلال هذا البحث الإجابة عليها. أولاً: التيار المؤيد لسكنى الأرواح الشريرة في المؤمن الحقيقي: 1-     بماذا يعتقدون: يؤمن هذا التيار بأن سيطرة الأرواح الشريرة على البشر، لا تتوقف عند سكناها في أجساد الأشرار، بل تمتد لتسيطر وتسكن حتى في المؤمنين الحقيقيين! ويفرقون جسادفففف في تعاليمهم بين أن يلبس (يمتلك) شخص من روح شرير وأن يسكن فيه روح شرير. فيرون أن "الامتلاك من الروح الشرير" هو أمر يخص غير المؤمنين، فهم وحدهم يمكن للأرواح الشريرة أن تمتلكهم وتسيطر عليهم بالكامل. أما المؤمنين فلا يمكن ل

تدابير مبعثرة أم خُطة واحدة

بقلم: مينا ميشيل يوسف إن الخلاف الكبير بين اللاهوت العهدي والتدبيري هو خلاف تفسيري في الأساس. فالأخير يحاول شرح وتفسير ما قاله العهد الجديد في ضوء ما قيل عن إسرائيل والوعود في العهد القديم. هذا يخالف ما فعله رسل المسيح وتلاميذه، إذ قاموا بشرح ما قاله العهد القديم عن إسرائيل والعهود في ضوء الإعلان الأكمل في شخص وعمل المسيح في العهد الجديد. في هذا المقال سنتفحص كيف ينظر كل من اللاهوت التدبيري والعهدي لأسفار وأحداث الكتاب المقدس ككل. يؤمن الفكر التدبيري بأن الله قسم الزمن إلى سبعة تدابير، ويتميز كل تدبير بأن الله كان يصنع خُطة أو عهدًا ثم يأتي الإنسان ويُفشل هذا العهد. وتختلف معاملات الله مع الإنسان وفقًا للمبادئ التي كانت تحكم هذا العهد. فهناك تدبير للنعمة وآخر للناموس، وهذا مختلف ومنفصل عن ذاك. فإسرائيل كانت تحت تدبير الناموس، أما الكنيسة فهي تحت تدبير النعمة. والنعمة كانت غائبة في زمن الناموس، كما أن الناموس غائب في زمن النعمة. وبحسب الفكر التدبيري، كانت إسرائيل تحت تدبير الناموس تتبرر بأعمال الناموس، أما الكنيسة فهي تتبرر بالإيمان بيسوع المسيح. وبركات إسرائيل كانت

تعاليم المسيح.. لا تكذب

وصية اليوم.. لا تكذب     مينا ميشيل ل. يوسف أعلن الله على صفحات الكتاب المقدس بقسميه التوراة والإنجيل، بأنه  "الصادق " (نح8:9):  فهو  ليس إنساناً فيكذب  (عد19:23)؛  وبأنه  "المستقيم " (مز8:25):  فهو أبداً  لا يغير ما خرج من شفتيه  (مز34:89)؛  وبأنه  "القدوس " (مز3:99):  الذي  عيناه أطهر من أن تنظرا للشر  (حب13:1)، ولا يسر بالشر والشرير لا يساكنه  (مز4:5)! لذا، ففي شريعته التي أعطاها على يد موسى النبي، أوصى الرب الإله قائلاً لكل إنسان وعلى مر العصور:  "لا تكذب، ولا تغدر بصاحبك، لا تحلف باسمي كاذبا، فتدنس اسم إلهك. فأنا الرب "  (لا11:19و12). ومن بعده جاء داود النبي والملك، وفي إحدى صلواته لله قال له:  " [أنت]  تهلك الناطقين بالكذب، لأنك تمقت سافك الدماء والماكر "  (مز6:5). ويعوزني الوقت إن أخبرت أيضاً عن كل ما قاله نبيه سليمان بخصوص الكذب وخطورة نتائجه (أم17:20)، ولكن فقط أورد قولاً واحداً له:  "كراهة الرب شفتا كذب. أما العاملون بالصدق فرضاه "  (أم22:12). وقد وضع الله تشريعه هذا ضد كافة ألوان الكذب وسط عالم مل