Skip to main content

تعاليم المسيح.. لا تزن


وصية اليوم.. لا تزن

مينا ميشيل ل. يوسف


أكد المسيح في تعاليمه أن المشكلة لا تكمن في الطرف الآخر فيما يلبسه أو يسلكه! أنما جذر المشكلة هو في.. عينك أنت! لهذا قال: "عينك هي مصباح الجسد: فعندما تكون عينك سليمة، يكون جسدك كله منورا؛ أما عندما تكون عينك شريرة، فيكون جسدك أيضا مظلما. فتنبه إذن لئلا يكون النور الذي فيك ظلاما" (لو34:11). فليس دورك هو ان تصلح كل البشر من حولك، ولكن دورك هو أن تصلح من نفسك أولاً! فالزنى كما علم المسيح لا يبدأ في الوقت الذي يزني فيه الإنسان.. لكنه يبدأ في الداخل في القلب! حينما يستسلم الشخص لشهواته مالئاً مخيلته بالتصورات والأفكار الشهوانية، مما يدفعه للتربص لأقرب فرصة يطفئ فيها نيران شهوته بزنى فعلي!

لهذا جاء علاج المسيح لقضية الزنى ليس فقط بتشجيع أو توصية الإنسان أن يمتنع عن ممارسة الزنى الفعلي، لكن بالتعامل مع أفكار قلبه وشهواته؛ مع الجذور الداخلية التي تفرخ وتثمر هذا الإثم الخارجي! لهذا قال المسيح: "سمعتم أنه قيل: لا تزن، أما أنا فأقول لكم: كل من ينظر إلى امرأة بقصد أن يشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (مت27:5). فالمسيح وضع إصبعه على أصل المشكلة إنه القلب.. الأعماق! لذا قال أيضاً: "فمن القلب تنبع الأفكار الشريرة القتل الزنى الفسق السرقة شهادة الزور التجديف" (مت19:15). فمشكلة الزنى إذن داخلية قبل أن تكون خارجية!

داخلية بسبب نظرتك للطرف الآخر على أنه مجرد أداة ووسيلة لإشباع رغباتك، وليس شخصاً مثلك له أحاسيس ومشاعر، ومساوياً لك في القيمة كما يعلمنا الكتاب المقدس: "الرجل ليس من دون المراة ولا المرأة من دون الرجل في الرب" (1كو11:11). داخلية بسبب أن في داخلك فراغ تسعى بشتى الطرق أن تملأه ولا تستطيع: "فالعين لا تشبع من النظر والاذن لا تمتلئ من السمع" (جا8:1)، فأنت تشبه البحر الذي تجري الأنهار وتصب فيه، والبحر ليس بملآن (جا7:1)!

ولكن عظمة المسيح لا تكمن فقط في أنه قام بتشخيص أصل المشكلة، ولكن أيضاً في تقديم العلاج لنا.. قدم لنا مع الوصية "لا تزن" القوة التي نحتاجها لنحياها بها؛ فهو لم يعطنا مجرد شرائع سامية تاركاً إيانا كالعزل نتصارع ونتأرجح ما بين طاعة الوصايا وطائعة شهواتنا!

ولا سبيل للعلاج من الزنى الفعلي والفكري بدون المسيح، فهو الذي قال: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15)، وهو الذي قال أيضاً "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو36:8). إن أتيت له الآن معترفاً بشرك الداخلي والخارجي.. طالباً منه أن يغير فكرك وفعلك.. قلبك وعقلك.. حتماً ستجده يتدخل في الحال في المشهد ويغيرك.. فيعطيك عين جديدة لتنظر للطرف الآخر نظرة مليئة بالمحبة والقدسية، ويشبع داخلك وقلبك فلا تحتاج أن تشبع من سواه! "فالنفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلو" (أم7:27).

قديماً آتى رجال الدين للمسيح بإمرأة امسكت وهي تزني! وقالوا له الشريعة أوصتنا أن مثل هذه نقيم عليها الحد ونرجمها، فماذا تقول أنت؟ فقال لهم المسيح: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر!" (يو7:8). لقد كشف ما كان في قلوبهم.. وربما تكون أنت أيضاً مثل أولئك الرجال تطالب بالقصاص، متناسياً أنك أنت أيضاً تفعل ذات الشرور؛ فتطالب بالقصاص من الآخرين في الوقت الذي تطلب لنفسك فيه الرحمة! "إذن، لا عذر لك أيها الإنسان الذي يدين الآخرين، كائنا من كنت. فإنك بما تدين غيرك، تدين نفسك: لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور نفسها" (رو1:2). "فلما سمعوا هذا الكلام انسحبوا جميعا واحدا تلو الآخر، ابتداء من الشيوخ. وبقي يسوع وحده، والمرأة واقفة في مكانها. فاعتدل وقال لها: أين هم أيتها المرأة؟ ألم يحكم عليك أحد منهم؟ أجابت: لا أحد ياسيد. فقال لها: وأنا لا أحكم عليك. اذهبي ولا تعودي تخطئين" (يو9:8-11). لقد اعطى المسيح لهذه المرأة الزانية فرصة ثانية لتتوب عن زناها! لم يشجعها على أن تحيا في الإثم، فالمسيح دعى أتباعه باسلوب بلاغي شديد الحزم أن يكونوا حاسمين في التعامل مع مصادر الشر في حياتهم مهما كلفهم ذلك من آلام (مت8:18-9)؛ لكنه بإظهار الرحمة لها كان يهدف إلى تشجيعها ودفها لتتوب وألا تيأس من رحمة العلي.

وأنت أيضاً، لا يزال السيد المسيح يقدم لك فرصة ثمينة لتتوب سواء عن زنى فعلي اقترفته، أو عن زنى داخلي خفي اشتهيته! ويقول لك إن طلبتني بصدق وأعلنت حقاً انك في احتياج لي لأغيرك، وأعطيك القوة التي تحتاجها لتطيع هذه الوصية، فحتماً ستجدني أمد يدي لأنقي قلبك الداخلي وأعطيك قوة لتنتصر على الزنى وقدرة لتطيع الوصايا.. فقط أطلبني الآن!

Comments

Popular posts from this blog

هل يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المسيحي الحقيقي؟

مينا م. يوسف مقدمة: تمتليء المكتبات المسيحية والمنابر الكنسية بالعديد من التعاليم الغريبة التي ظهرت مؤخراً، والتي تنادي بأن المؤمنين الحقيقيين بالمسيح يمكن أن تسكن أجسادهم أو نفوسهم أرواحاً شريراً؛ ويكونون كغير المؤمنين في إحتياج لطردها من حياتهم عبر مؤمن آخر. -          فهل حقاً يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المؤمنين؟ -          وهل يوجد أدلة كتابية تؤكد أو تنفي ذلك؟ -          ومدى خطورة رفض أو قبول هذا التعليم؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي يحاول الباحث من خلال هذا البحث الإجابة عليها. أولاً: التيار المؤيد لسكنى الأرواح الشريرة في المؤمن الحقيقي: 1-     بماذا يعتقدون: يؤمن هذا التيار بأن سيطرة الأرواح الشريرة على البشر، لا تتوقف عند سكناها في أجساد الأشرار، بل تمتد لتسيطر وتسكن حتى في المؤمنين الحقيقيين! ويفرقون جسادفففف في تعاليمهم بين أن يلبس (يمتلك) شخص من روح شرير وأن يسكن فيه روح شرير. فيرون أن "الامتلاك من ال...

تعاليم المسيح.. لا تقتل

وصية اليوم.. لا تقتل!! مينا ميشيل ل. يوسف وسط عالم يبيح قتل المعارضين ويقنن سحق المختلفين، وبدمٍ بارد يذبحهم بدعوة إرساء الاستقرار أو حماية المعتقد. آتى المسيح ليقدم أكثر من مجرد وصية بعدم القتل، آتى داعياً تابعيه إلى ضرورة بذل الجهد   ليصنعوا سلاماً حتى مع ألد أعدائهم (مت9:5)! ومرة أخرى يعود المسيح ليؤكد على أن القتل شأنه شأن أي شر آخر، ينبع من الداخل وليس مجرد فعلاً خارجياً. " لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنى فسق قتل.. " (مر21:7). لذا، فلا عجب أن نجد النبي سليمان في القديم يوصنا قائلاً: " فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لان منه مخارج الحياة " (أم23:4). فكم من نفوس تبدو ظاهرياً كأشخاص مسالمة، وداخلهم وح و شٍ كاسرة مليئة بالغضب وشهوة الإنتقام!  لذا فقد أكد المسيح في تعاليمه على أن الإمتناع عن القتل ليس كافياً، إنما الإحتياج الأكبر هو إلى إزالة روح الغضب والإنتقام من الداخل، قائلاً: " قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم !" (مت21:5-22...

الخطية الأصلية [2/ 8]: الطبيعة الفاسدة

مينا م. يوسف [إن تأملت بما لي من خير قلت أي شيء لي ولم آخذه منك؟ وإن كنت أخذته فلم اتباهي كأني  ما أخذته؛ أنا ما استطعت من نفسي شيئاً، سوى أن أهلكها. وما عرفت أن أجدك أنت يا صانعي لو لم تطلبني.] (القديس أوغسطينوس) [1] إن مصطلح الخطية الأصلية كغيره من المصطلحات اللاهوتية لم يرد في الأسفار المقدسة مباشرة، لكنّه يلخص حقيقتان هامتان للغاية: الفساد الموروث والذنب الموروث. في هذا المقال سنرّكز على الفساد الموروث، تاركين الحديث عن الذنب الموروث لمقالنا التالي. في كتابه أصول الإيمان المسيحي، عرّف جون كالفن الخطية الأصلية بأنها: الانجذاب والفساد الموروث لطبيعتنا، المنتشر من خلال كل أجزاء النفس، مما يضعنا تحت غضب الله الرهيب، وينتج فينا تلك الأعمال التي يدعوها الكتاب المقدس "أعمال الجسد". (غلاطية 5: 19) [2] لم يخلق الله الإنسان الأول وبداخله ميل أو ضعف نحو العصيان؛ كما أن الخطية ليست جزءاً أصيلاً ينتمي إلى الطبيعة البشرية أو الصورة التي خلقنا الله عليها في البدء، [3] إنما كما يقول الرسول بولس: "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ". (رو...