Skip to main content

أتؤمن؟!!.. نحو ايمان اعمق


مينا ميشيل ل. يوسف

لم يدعنا الله لنؤمن بوعود أعطاها لنا، لكنه دعانا لنؤمن به هو معطي الوعود! رجاء أعد قراءة هذه العبارة ثانيةً، لأنه رغم بساطتها إلا إنا كثيراً ما نستقطع آيات من سياقها ونقول أنه هكذا وعدنا الرب، وعلينا أن نؤمن بذلك الوعد حتى يتحقق في حياتنا. ولكن ما يدعونا إليه الرب حقاً ليس أن نؤمن بوعد ولكن أن نؤمن به هو إله الوعد!

أتعرف لماذا؟ لأننا كثيراً ما نتحاشى آيات لأنها تحدثنا عن ألم علينا ان نجتاز فيه، بينما نتمسك ونؤمن بآيات أخرى لمجرد أنها تعدنا براحة وسلام ورخاء قادمين! إننا ننتقي الآيات التي تعجبنا ونسميها وعوداً ونؤمن بها ونطالب الله بتحقيقها، ونتهمه بالتقصير أو بالكذب علينا إذا لم يحققها! والحقيقة أن ليست المشكلة في الله، ولكنها في تلك الطريقة التي نعتمد عليها ظانين أن الله يتحدث بها إلينا.
فالرسول بولس حينما قال أن "الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله" (رو17:10)، لم يكن في ذهنه مطلقاً تلك الطريقة الطفولية التي نتعامل بها مع الله، وننتقي الآيات التي تعجبنا ونؤمن بها. إذ أن معنى تلك الآية في سياقها الأصلي لا يدعونا أن نؤمن بوعد، بل يعني أن مصدر الإيمان بالرب هو التبشير بكلمة الله (أنظر ترجمة كتاب الحياة)! فالإيمان الحقيقي هي أن نؤمن بكل ما قاله الكتاب المقدس عن الرب: أنه يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر (أي2:42)، وأنه لا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل (دا35:4)، هذا هو مصدر إيماننا.
فهكذا علمنا الكتاب المقدس، فحين مات لعازر لم يقل المسيح لمرثا أتؤمنين بالوعد، ولكنه وجه نظرها عليه هو شخصياً قائلاً لها: "انا هو القيامة والحياة. من امن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيا وامن بي فلن يموت الى الابد. اتؤمنين بهذا" (يو25:11). وحينما لعن المسيح شجرة التين ولم يؤمن بذلك التلاميذ، لم يدعهم يسوع أن يؤمنوا بالوعد، بل أن يؤمنوا بالله، إذ قال لهم: "ليكن لكم إيمان بالله" (مر22:11)! وحين آتى أعميان ليسوع لم يقل لهما أتؤمنان بالوعد، لكنه بالأحرى قال لهما: "أتؤمنان إني أقدر أن أفعل هذا؟" (مت28:9)
إن دعوتي لك اليوم لا أن تتنكر لوعود الله في كلمته المقدسة، حاشا! بل أن يكون هو مركز حياتك وإيمانك وطاعتك، وليست وعوده وإمتيازاته. أن يكون إتجاهك كإتجاه الرسول بولس الذي قال: "إني عالم بمن آمنت [شخص الرب] وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" (2تي12:1). فإيمان بولس لم يكن مبنياً على الظروف ولا وعود، ولكن على شخص الرب نفسه. فالظروف يمكنها أن تتغير، والآيات يمكننا بالدراسة أن نكتشف أن هذا لم يكن معناها في سياقها الأساسي الذي قاله الرب في وحيه المقدس!  أما الإيمان بالرب ذاته المبني على كلمته المقدسة ككل فهو الأثبت والأقوى والأعظم!!
إن دعوتي لك اليوم هي أن تظل مؤمناً به هو شخصياً وواثقاً فيه، حتى وإن لم تتحقق تلك الوعود! لأن هذا هو أعمق مستوى من الإيمان! فصحيح أنه حينما يؤمن شخص بوعد ما ويتحقق يكون إيمانه عظيماً، ولكن الإيمان الأعظم هو أن تظل مؤمناً بالرب حتى وإن لم يتحقق الوعد!
لقد كان إيمان أصدقاء دانيال الثلاث شدرخ وميشخ وعبد ناغو عظيما حينما رفضوا أن يسجدوا لتمثال الملك، متحدين واعيده لهم بأن يلقيهم في أتون النار المتقدة، معلنين إيمانهم بأن إلههم يستطيع أن ينجيهم من أتون النار المتقدة (دا17:3)، ولكن كان إيمانهم أعظم حين أعلنوا أيضاً أنه حتى ولو لم ينقذهم الرب سيظلوا على إيمانهم به ولن يسجدوا لتمثال الملك (دا18:3)!! وهكذا آمن أيوب وقال عن الرب "هوذا يقتلني، سأظل واثقاً فيه" (أي15:13) [CEV, ESV]. أنه أعمق مستوى من الإيمان، الذي يرى أنه مهما ساءت الظروف من حوله، حتى ولو بدى وكأن الرب يقتله، إلا أنه سيظل واثقاً فيه ومؤمناً به!
ويعوزني الوقت إن أخبرت عن إبراهيم واسحق ويعقوب الذين آمنوا بالرب إله الوعود، وماتوا وهم لم ينالوا امواعيد ورغم ذلك "ماتوا في الإيمان"! فياله من إيمان عظيم!! فرغم أنهم لم ينالوا الوعود إلا أنهم ظلوا إلى آخر نسمة فيهم في الإيمان أن الرب حتماً سيحقق وعوده، وإن لم يروها بأعينهم؛ أو تحققت بصورة غير التي كانت في مخيلتهم. فهكذا قال الرسول عنهم أنهم: "في الإيمان مات هؤلاء جميعاً وهم لم ينالوا المواعيد! بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها.. فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان لم ينالوا المواعيد، إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل لكي لا يكملوا بدوننا" (عب13:12و39).
فهل تصلي معي طالباً من الرب أن يضع فيه ويدخلك لهذا المستوى والعمق من الإيمان؟!
يا رب اشكرك لأنك أنت المصدر الذي استقي منه الإيمان (عب2:12). لذا تعال خذ بيدي مدخلاً إياي لهذا العمق، الذي تكون أنت فيه مركز إيماني وبؤرة إنشغالي. الذي يظل مؤمناً بصلاحك وحبك الكامل لي وبحكمتك الأعلى من حكمتي وتفكيري. الذي يظل واثقاً في آمانتك وصدقك حتى ولو لم تتحقق الوعود! ضع ثقتك داخل قلبي، وليملأني سلامك الداخلي الذي لا يتزعزع. لأنك أنت منفرداً في طمأنينة تسكنني (مز8:4). ولتكن أنت شبعي ومصدر إرتوائي الوحيد، ومعك لا أريد شيئاً على الأرض (مز25:73)!

Comments

  1. ربنا يباركك يا مينا، الأيام اللي فاتت ربنا كان بيفتح عيني على حاجة زي دي

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

هل يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المسيحي الحقيقي؟

مينا م. يوسف مقدمة: تمتليء المكتبات المسيحية والمنابر الكنسية بالعديد من التعاليم الغريبة التي ظهرت مؤخراً، والتي تنادي بأن المؤمنين الحقيقيين بالمسيح يمكن أن تسكن أجسادهم أو نفوسهم أرواحاً شريراً؛ ويكونون كغير المؤمنين في إحتياج لطردها من حياتهم عبر مؤمن آخر. -          فهل حقاً يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المؤمنين؟ -          وهل يوجد أدلة كتابية تؤكد أو تنفي ذلك؟ -          ومدى خطورة رفض أو قبول هذا التعليم؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي يحاول الباحث من خلال هذا البحث الإجابة عليها. أولاً: التيار المؤيد لسكنى الأرواح الشريرة في المؤمن الحقيقي: 1-     بماذا يعتقدون: يؤمن هذا التيار بأن سيطرة الأرواح الشريرة على البشر، لا تتوقف عند سكناها في أجساد الأشرار، بل تمتد لتسيطر وتسكن حتى في المؤمنين الحقيقيين! ويفرقون جسادفففف في تعاليمهم بين أن يلبس (يمتلك) شخص من روح شرير وأن يسكن فيه روح شرير. فيرون أن "الامتلاك من ال...

تعاليم المسيح.. لا تقتل

وصية اليوم.. لا تقتل!! مينا ميشيل ل. يوسف وسط عالم يبيح قتل المعارضين ويقنن سحق المختلفين، وبدمٍ بارد يذبحهم بدعوة إرساء الاستقرار أو حماية المعتقد. آتى المسيح ليقدم أكثر من مجرد وصية بعدم القتل، آتى داعياً تابعيه إلى ضرورة بذل الجهد   ليصنعوا سلاماً حتى مع ألد أعدائهم (مت9:5)! ومرة أخرى يعود المسيح ليؤكد على أن القتل شأنه شأن أي شر آخر، ينبع من الداخل وليس مجرد فعلاً خارجياً. " لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنى فسق قتل.. " (مر21:7). لذا، فلا عجب أن نجد النبي سليمان في القديم يوصنا قائلاً: " فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لان منه مخارج الحياة " (أم23:4). فكم من نفوس تبدو ظاهرياً كأشخاص مسالمة، وداخلهم وح و شٍ كاسرة مليئة بالغضب وشهوة الإنتقام!  لذا فقد أكد المسيح في تعاليمه على أن الإمتناع عن القتل ليس كافياً، إنما الإحتياج الأكبر هو إلى إزالة روح الغضب والإنتقام من الداخل، قائلاً: " قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم !" (مت21:5-22...

الخطية الأصلية [2/ 8]: الطبيعة الفاسدة

مينا م. يوسف [إن تأملت بما لي من خير قلت أي شيء لي ولم آخذه منك؟ وإن كنت أخذته فلم اتباهي كأني  ما أخذته؛ أنا ما استطعت من نفسي شيئاً، سوى أن أهلكها. وما عرفت أن أجدك أنت يا صانعي لو لم تطلبني.] (القديس أوغسطينوس) [1] إن مصطلح الخطية الأصلية كغيره من المصطلحات اللاهوتية لم يرد في الأسفار المقدسة مباشرة، لكنّه يلخص حقيقتان هامتان للغاية: الفساد الموروث والذنب الموروث. في هذا المقال سنرّكز على الفساد الموروث، تاركين الحديث عن الذنب الموروث لمقالنا التالي. في كتابه أصول الإيمان المسيحي، عرّف جون كالفن الخطية الأصلية بأنها: الانجذاب والفساد الموروث لطبيعتنا، المنتشر من خلال كل أجزاء النفس، مما يضعنا تحت غضب الله الرهيب، وينتج فينا تلك الأعمال التي يدعوها الكتاب المقدس "أعمال الجسد". (غلاطية 5: 19) [2] لم يخلق الله الإنسان الأول وبداخله ميل أو ضعف نحو العصيان؛ كما أن الخطية ليست جزءاً أصيلاً ينتمي إلى الطبيعة البشرية أو الصورة التي خلقنا الله عليها في البدء، [3] إنما كما يقول الرسول بولس: "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ". (رو...