مينا ميشيل ل. يوسف
لم ينشغل المسيح كثيراً بالكيفية التي بها يعاقب السارق [فقد ترك ذلك لشريعة موسى التي أوصت بمعاقبة السارق بتعويض من سرقه ضعفان أو خمسة أضعاف حسب حجم الخسارة (خر1:22-15)]؛ لكنه إنشغل في تعاليمه بالكيفية التي بها يصلح ويعالج هذا السارق. فعلاج جذورالسرقة ليس في أن يؤذى بدن السارق أو يشوه، إنما في علاج وتغيير داخلي يحدث له. فالسرقة –بحسب تعاليم المسيح- شأنها شأن كل المعاصي، تنبع من الداخل وليست فعلاً خارجياً مجرداً. وهذا ما أكده بقوله: "فمن القلب تنبع الأفكار الشريرة، القتل، الزنى، الفسق، السرقة، شهادة الزور، التجديف.." (مت19:15). فحين ننشغل بكيفية معاقبة السارق فقط على جريمته وننسى أن جذر الداء هو داخل القلب؛ نشبه حكومة قررت إعدام منتجات مصنع ينتج مواد سامة دون إغلاق المصنع نفسه مصدر هذه السموم!
فالسارق مهما كان العقاب الخارجي رادعاً ومؤلماً له، إن لم يتغير من الداخل سيعود حتماً بطريقة او بأخرى للسرقة أو إلى أحد مشتقاتها كالرشوة أو النصب أو عدم الأمانة.. إلخ! لذا، جاءت تعاليم المسيح لتكشف وتعالج جذور ذلك الفعل الآثم، مشخصة جذور المشكلة في نقطتان هما:
أولاً: محبة المال (الطمع):
ذات يوم رفض أحدهما أن يعطي أخيه نصيبه من الميراث، فجاء المتضرر إلى المسيح يقول له: "يا معلم قل لأخي أن يقاسمني الميراث" (لو13:12). فبماذا أجاب المسيح؟ هل أجبر ذلك الأخ الطماع (السارق) على أن يعطي أخيه حقه رغماً عن إرادته؟ الإجابة كلا، بل أراد أن يكشف أن ذلك الفعل الخارجي هو نتاج لشر داخلي يتلخص في كلمة واحدة وهو "الطمع" و"محبة المال". لذا قال المسيح: "انظروا وتحفظوا من الطمع، فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله!" (لو15:12). فالمال لا يمكنه أن يطيل حياتك أو يقصرها، فقد يشتري لك دواءاً لكنه أبداً لا يشتري لك صحة! قد يشتري لك كل وئاسل الرفاهية والراحة، لكنه أبداً لا يشتري لك السعادة والتمتع!
ثم روى لهم المسيح قصة رمزية ليؤكد ذلك المعنى، فقال: إنسان غني أخصبت كورته، ففكر في نفسه قائلا: ماذا أعمل لأن ليس لي موضع أجمع فيه أثماري؟ وقال: أعمل هذا: أهدم مخازني وأبني أعظم وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي وأقول لنفسي: يا نفسي لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له الله: يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون؟!" (لو15:12-21). قصة صادمة أراد المسيح من خلالها أن يؤكد أن المال لا يطيل الحياة، كما أن الحياة قصيرة حتى وإن طالت، وسيأتي يوم وتنتهي! فماذا أعددت أيها الإنسان الطماع لأبديتك؟ ومن أدراك أن ما تعبت في تكنيزه سنين عديدة ستتركه لشخص حكيم يصونه وليس لجاهل يبدده (جا18:2-19)؟!
إن المال في حد ذاته ليس شراً، ولكن "محبة المال [هي] اصل لكل الشرور" (1تي10:6). والطموح والكد ليس شراً، ولكن حينما يصبح جمع الأموال أولوية حياتنا وإنشغالنا الأول؛ فهذا ما يدعونا المسيح لأن نرفضه، بقوله: "لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض، حيث يفسدها السوس والصدأ، وينقب عنها اللصوص ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء، حيث لا يفسدها سوس ولا ينقب عنها لصوص ولا يسرقون. فحيث يكون كنزك، هناك أيضا يكون قلبك" (مت19:6-21). فحين يكون كنزك المنشغل أنت بتكنيزه في بنك، فسيكون قلبك هناك! وحين يكون الرب نفسه هو كنزك الثمين (أي25:22)، فسيكون قلبك هناك!
إن المشكلة الداخلية الكبرى التي يكشفها المسيح هي: لمن تقدم أولوية طاعتك، لله أم للمال؟ لذا قال: "لا يمكن لأحد أن يكون عبدا لسيدين: لأنه إما أن يبغض أحدهما فيحب الآخر، وإما أن يلزم أحدهما فيهجر الآخر. لا يمكنكم أن تكونوا عبيدا لله والمال معا" (مت24:6). فإما أن يحب الإنسان الله ويسعى لعلاقة عميقة معه ويستخدم المال كوسيلة، او أن يكون المال هو هدفه، وحبه الشديد له يؤدي به إلى كسر الوصايا. فنظرة الشخص للمال هي التي تحدد سلوكه ككل! وهذا ما أكده المسيح بقوله: "العين مصباح الجسد. فإن كانت عينك سليمة، يكون جسدك كله منورا. وإن كانت عينك سيئة، يكون جسدك كله مظلما" (مت22:6-23).
إن إحتياج أي طماع عامة وأي سارق خاصة هو أن يحدث تغيير في قلبه وفي نظرته للمال! وهذا الأمر ليس بإمكان إنسان كائن من كان أن يحدثه بنفسه لنفسه! لكن المسيح وحده يستطيع أن يحررك من الطمع، كما فعل قديماً حينما تقابل مع "زكا"؛ فحوله من سارق محب للمال، إلى شخص مليء بفيض العطاء! من شخص ذو قلب قاسي، إلى شخص ذو قلب حاني! حتى أن زكا هذا بعد أن تقابل مع المسيح قال: "ها أنا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف!!" (لو8:19). فالسارق لن يعود يسرق في ما بعد، بل بالحري يتعب عاملا الصالح بيديه ليكون له ان يعطي من له احتياج (أف28:4)!
عزيزي.. إن ذات هذه الدعوة مقدمة لك أنت اليوم، حتى ولو كان تقييمك لنفسك على أنك قد دمرت بالفعل وهلكت بالفعل؛ المسيح جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك بالفعل (لو10:19)! إنه الوحيد القادر أن يخلصك إلى التمام (عب25:7)، إن أتيت وبداخلك صرخة احتياج شديد إليه ليغيرك. كم من نفوس خسرت لأنها لم تأت للمسيح، وكم من نفوس ربحت حين أتت للمسيح؛ فلم تخرج كما كانت إذ غير المسيح حياتها بالتمام. فهل تريد هذا التغيير؟ هل تحتاج لهذا التغيير؟ فقط أطلب بصدق من المسيح أن يزورك اليوم ويتقابل معك.. وستختبر أمراً جديداً لم تختبره من قبل!
<< السابق التالي >>
Comments
Post a Comment