Skip to main content

تعاليم المسيح.. لا تكذب


وصية اليوم.. لا تكذب  

مينا ميشيل ل. يوسف

أعلن الله على صفحات الكتاب المقدس بقسميه التوراة والإنجيل، بأنه "الصادق" (نح8:9): فهو ليس إنساناً فيكذب (عد19:23)؛ وبأنه "المستقيم" (مز8:25): فهو أبداً لا يغير ما خرج من شفتيه (مز34:89)؛ وبأنه "القدوس" (مز3:99): الذي عيناه أطهر من أن تنظرا للشر (حب13:1)، ولا يسر بالشر والشرير لا يساكنه (مز4:5)!
لذا، ففي شريعته التي أعطاها على يد موسى النبي، أوصى الرب الإله قائلاً لكل إنسان وعلى مر العصور: "لا تكذب، ولا تغدر بصاحبك، لا تحلف باسمي كاذبا، فتدنس اسم إلهك. فأنا الرب(لا11:19و12). ومن بعده جاء داود النبي والملك، وفي إحدى صلواته لله قال له: "[أنت] تهلك الناطقين بالكذب، لأنك تمقت سافك الدماء والماكر(مز6:5). ويعوزني الوقت إن أخبرت أيضاً عن كل ما قاله نبيه سليمان بخصوص الكذب وخطورة نتائجه (أم17:20)، ولكن فقط أورد قولاً واحداً له: "كراهة الرب شفتا كذب. أما العاملون بالصدق فرضاه(أم22:12).
وقد وضع الله تشريعه هذا ضد كافة ألوان الكذب وسط عالم مليء بالشر والفساد! وسط عالم يقترف أتباعه الإثم بذات السلاسة التي يشربون بها الماء (أي16:15)! وسط عالم تشوشت الرؤيا لديه، فحلل الكذب وبرره تارة، وأباح التلاعب بالألفاظ تارة أخرى! ووسط هذا الجو الفاسد آتى المسيح ليعلن "النعمة والحق" (يو17:1)! فهو لهذا قد جاء "ليخبر الأمم بالحق(مت18:12). لذا يكاد لا يخلو حديث أو تعليم للمسيح إلا وتجد المسيح يتفوه بهذا العبارة الكريمة: "الحق أقول لكم(مت2:6.. إلخ). وله شهد أعداءه ومبغضيه أيضاً بأنه يعلم طريق الله بالحق (مت16:22)! فكم كان المسيح "مملوء نعمة وحقاً" (يو14:1)!!

وحول تعاليمه عن الكذب، أكد المسيح أن الشيطان هو الأب الروحي للكذب (مصدر الكذب)، بقوله عنه: "لم يثبت في الحق لأنه خال من الحق! وعندما ينطق بالكذب فهو ينضح بما فيه، لأنه كذاب وأبو الكذب(يو44:8)؛ في المقابل نجد تأكيد المسيح أن الله "كلامه هو حق" (يو17:17)، فكيف لله الحق أن يشرع أو يبيح الكذب؟! "فكل ما هو كذب لا يأتي من الحق" (1يو21:2)! فلا يوجد سبباً إلهياً ولا تشريعاً سماوياً يحلل الكذب تحت أي ظرفٍ أو لأي عذرٍ، بحسب تعاليم المسيح! إنما الكذب هو الثمرة الطبيعة للشجرة الفاسدة التي بداخلنا؛ إذ قال: "ما يخرج من الفم فإنه من القلب يصدر.. فمن القلب تنبع الأفكار الشريرة، القتل، الزنى، الفسق، السرقة، شهادة الزور، التجديف(مت18:15-19).
كما انتقد المسيح رجال الدين اليهودي في عصره، الذين كانوا يعلمون الشعب أنهم إذا أقسموا دون استخدام اسم الله يكون قسمهم غير ملزم، وغير مذنب إن نكثوه[1]، فكانوا يفتحون بذلك للشعب الباب على مصراعيه للتلاعب بالألفاظ! ولكن المسيح أكد أن هذه مراوغة، وأنه أياً كان القسم فهو في النهاية مرتبط بالله[2]، فقال: "أما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا أبدا، لا بالسماء لأنها عرش الله،  ولا بالأرض لأنها موطيء قدميه، ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك الأعظم. ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة فيها بيضاء أو سوداء(مت34:5-36).
ثم ختم المسيح هذا الحديث بالتأكيد على رفضه القاطع لأي تلاعب بالألفاظ، أو استخدام كلمات توحي بمعنى غير ما يقصده قائلها، فقال: "ليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير!" (مت37:5). فالمسيح هنا يؤكد، أن أتباعه الحقيقيين الذين سمحوا له بأن يغير قلوبهم وينقي دواخلهم، ليسوا في حاجة للقسم على الإطلاق؛ إذ يجب أن يكون كل ما يقولوه هو الحقيقة - والحقيقة وحدها- دون استخدام اسلوب التورية أو المعاريض.


فحتى لو كان الغرض من الكذب صالح، فحتماً سيقود الإنسان لمزيد من الأكاذيب، فكذبة واحدة لا تكفي! لأنه سرعان ما سيعتاد الإنسان على اللجوء للكذب كحل سهل وسريع لإنقاذ نفسه من المشاكل[3]. ففي كل تعاليم المسيح: الغاية والنية أبداً لا تبرر الوسيلة: فإذا كان شخص نيته نبيلة ألا يموت من الجوع، أيسرق؟! أو لديه إحتياج غزيزي ملح، أيزني؟! أو يريد ربح آخرين لفريقه أو لدينه، أيكذب؟! لذا رفض المسيح كل ألوان الكذب جملة وتفصيلاً، كذلك انتقد رياء رجال الدين الكذبة، المتسترين وراء الدين ظاهرين للآخرين في ثياب حملان، ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة (مت15:7). لأنه كيف يبيحون لمستمعيهم الكذب والتلاعب بالألفاظ، ويطلبون منهم بعد ذلك أن يصدقوا أقوالهم وتعاليمهم؟!


وماذا عن المواجهات والظروف الصعبة؟ هل دعى المسيح أتباعه الحقيقيين لمواجهتها بسذاجة؟ الإجابة كلا، بل في أصعب ظروف الحياة حين يمد الناس أيديهم عليهم ويضطهدونهم لأجل اسم المسيح، وعدهم قائلاً: "فضعوا في قلوبكم ألا تعدوا دفاعكم مسبقا، لأني سوف أعطيكم كلاما وحكمة لا يقدر جميع مقاوميكم أن يردوها أو يناقضوها!" (لو12:21-15). ليست كحكمة الأشرار الذين يروا في الكذب على الحق والتقية حكمة؛ إذ يسمي الإنجيل هذه الحكمة بأنها: "ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هي أرضية نفسانية شيطانية!" (يع15:3). أما الحكمة الإلهية التي يعطيها المسيح بسخاء لكل من يطلب بصدق منه (يع5:1)، فهي: الحكمة التي من فوق ومن أهم سماتها أنها: "نقية طاهرة، قبل كل شيء. وهي أيضا تدفع صاحبها إلى المسالمة والترفق. كما أنها مطاوعة، مملوءة بالرحمة والأعمال الصالحة، مستقيمة: لا تميز ولا تنحاز ولا ترائي(يع17:3).


لذا أدعوك عزيزي.. أن تطرح عنك الكذب (أف25:4)، طالباً من المسيح أن يمد يده ويتعامل مع جذور الكذب المتغلغل داخل أعماقك، ويعطيك من لدنه الحكمة التي من فوق التي لا يقدر جميع معاندوك أن يقاوموها.





[1] دون فليمنج، التفسير المعاصر للكتاب المقدس. (القاهرة: الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة، 2004)، 587
[2]  كريج. س. كينر، الخلفية الحضارية للكتاب المقدس الجزء الأول. (القاهرة: دار الثقافة، 2005)، 51
[3] St. Augustine quote, “Lying: Christian Ethics and the Practical Theology Method”, site of Azusa Pacific University . Published on . Read on 29/03/11. Available on http://groups.apu.edu/practicaltheo/LECTURE%20NOTES/FOM%20F05/Shrier/Lying%20outline.pdf


<<    السابق       التالي   >>

Comments

Popular posts from this blog

هل يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المسيحي الحقيقي؟

مينا م. يوسف مقدمة: تمتليء المكتبات المسيحية والمنابر الكنسية بالعديد من التعاليم الغريبة التي ظهرت مؤخراً، والتي تنادي بأن المؤمنين الحقيقيين بالمسيح يمكن أن تسكن أجسادهم أو نفوسهم أرواحاً شريراً؛ ويكونون كغير المؤمنين في إحتياج لطردها من حياتهم عبر مؤمن آخر. -          فهل حقاً يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المؤمنين؟ -          وهل يوجد أدلة كتابية تؤكد أو تنفي ذلك؟ -          ومدى خطورة رفض أو قبول هذا التعليم؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي يحاول الباحث من خلال هذا البحث الإجابة عليها. أولاً: التيار المؤيد لسكنى الأرواح الشريرة في المؤمن الحقيقي: 1-     بماذا يعتقدون: يؤمن هذا التيار بأن سيطرة الأرواح الشريرة على البشر، لا تتوقف عند سكناها في أجساد الأشرار، بل تمتد لتسيطر وتسكن حتى في المؤمنين الحقيقيين! ويفرقون جسادفففف في تعاليمهم بين أن يلبس (يمتلك) شخص من روح شرير وأن يسكن فيه روح شرير. فيرون أن "الامتلاك من الروح الشرير" هو أمر يخص غير المؤمنين، فهم وحدهم يمكن للأرواح الشريرة أن تمتلكهم وتسيطر عليهم بالكامل. أما المؤمنين فلا يمكن ل

تدابير مبعثرة أم خُطة واحدة

بقلم: مينا ميشيل يوسف إن الخلاف الكبير بين اللاهوت العهدي والتدبيري هو خلاف تفسيري في الأساس. فالأخير يحاول شرح وتفسير ما قاله العهد الجديد في ضوء ما قيل عن إسرائيل والوعود في العهد القديم. هذا يخالف ما فعله رسل المسيح وتلاميذه، إذ قاموا بشرح ما قاله العهد القديم عن إسرائيل والعهود في ضوء الإعلان الأكمل في شخص وعمل المسيح في العهد الجديد. في هذا المقال سنتفحص كيف ينظر كل من اللاهوت التدبيري والعهدي لأسفار وأحداث الكتاب المقدس ككل. يؤمن الفكر التدبيري بأن الله قسم الزمن إلى سبعة تدابير، ويتميز كل تدبير بأن الله كان يصنع خُطة أو عهدًا ثم يأتي الإنسان ويُفشل هذا العهد. وتختلف معاملات الله مع الإنسان وفقًا للمبادئ التي كانت تحكم هذا العهد. فهناك تدبير للنعمة وآخر للناموس، وهذا مختلف ومنفصل عن ذاك. فإسرائيل كانت تحت تدبير الناموس، أما الكنيسة فهي تحت تدبير النعمة. والنعمة كانت غائبة في زمن الناموس، كما أن الناموس غائب في زمن النعمة. وبحسب الفكر التدبيري، كانت إسرائيل تحت تدبير الناموس تتبرر بأعمال الناموس، أما الكنيسة فهي تتبرر بالإيمان بيسوع المسيح. وبركات إسرائيل كانت