Skip to main content

تعاليم المسيح.. لا تسرق2

وصية اليوم: لا تسرق 2
مينا ميشيل ل. يوسف


           تحدثنا في الحلقة الماضية عن أن تعاليم المسيح ذهبت إلى أبعد من مجرد إعطاء بعض الأوامر والنواهي؛ إذ لم يسعى المسيح ليوصي أتباعه بالكيفية التي يعاقب بها السارق، إنما بالكيفية التي يعالج بها السارق!! وأن السرقة تنبع من الداخل قبل أن تكون فعلاً خارجياً، لذا لزاماً أن يكون العلاج داخلياً ولا نكتفي بمعاقبة الجسد. وفي تشخيصه لأسباب السرقة، كشف المسيح جذور ذلك بأنه ناتج عن الطمع ومحبة المال، ثم قدم العلاج الذي يحتاجه الشخص للتحرر من محبة المال هذه. ولكنه كشف أيضاً عن جذر آخر يدفع الإنسان بقوة نحو السرقة وتكنيز الأموال بشتي الطرق المشروعة وغير المشروعة، وهو:

ثانياً: الخوف من المستقبل:
كثيراً ما دفع الخوف من المستقبل الكثيرين لشتى أنواع السرقة، أو حتى للإنحصار في تكنيز المال دون التفكير بشأن أمور أبديتهم. فالخوف من المستقبل يتحكم في حاضر الإنسان، ويسجنه وسط مخاوفه وإضطراباته، وقد يدفعه لسلوكيات غير مشروعة وغير منطقية في أحيان كثيرة.
لذا جاء علاج المسيح لهذا الخوف في التأكيد على أن القلق والهم المفرط هو بلا جدوى، فقال: "من منكم يستطيع، إذ اهتم، أن يضيف إلى حياته مقدار ذراع واحدة [أي ساعة واحدة]؟" (لو25:12). ثم أكمل حديثه قائلاً: "فما دمتم غير قادرين ولو على أصغر الأمور، فلماذا تهتمون [تحملون هم] بالأمور الأخرى" (لو26:12). إن المسيح لا يدعو أتباعه للكسل، ولكن للعمل وهم ملقين كل همهم عليه، لأنه هو يعتني بهم (1بط7:5).
والمسيح لم يوبخ مستمعيه على كل أنواع الهموم، ولكن فقط تلك التي تنبع من عدم الثقة والإيمان في الله الذي خلق العالم وكل ما فيه، ولم يتركه بل لا يزال يعتني بكل ما فيه! فقال المسيح: "تأملوا طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع في مخازن، وأبوكم السماوي يعولها. أفلستم أنتم أفضل منها كثيرا؟" (مت26:6). فالله الذي لا يزال يعتني بالطيور، ويفتح يده ليطعم صغار الغربان التي تصرخ (مز9:147؛ مز28:104)، هو ذاته الذي يفتح يده ليشبع كل حي رضى (مز16:145)! "فلا تخافوا! أنتم أفضل من عصافير كثيرة" (لو7:12).
قال أحدهم قديماً أن مشكلة الإنسان ليست في كيف يأكل ويلبس اليوم، ولكن في كيفية ذلك في المستقبل! لذا، وجه المسيح أنظار مستمعيه من على إمكانياتهم المحدودة، ليثبتها على الله، مستخدماً مثلاً من الطبيعة نبات يسمى شقائق النعمان ذات لون قرمزي يشبه لون الملابس التي إعتاد الملوك إرتدائها؛ فقال: "ولماذا تحملون هم الكساء؟ تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو: إنها لا تتعب ولا تغزل؛ ولكني أقول لكم: حتى سليمان في قمة مجده لم يكتس ما يعادل واحدة منها بهاء! فإن كان الله هكذا يكسو الأعشاب البرية مع أنها توجد اليوم وتطرح غدا في النار، أفلستم أنتم، ياقليلي الإيمان، أحرى جدا بأن يكسوكم؟" (مت28:6-30).
"لذلك أقول لكم: لا تهتموا لمعيشتكم بشأن ما تأكلون وما تشربون، ولا لأجسادكم بشأن ما تكتسون. أليست الحياة أكثر من مجرد طعام، والجسد أكثر من مجرد كساء؟.." (مت5:6). فالله الذي يعطي ما هو عسير [كالحياة والجسد]، أيعسر عليه أن يعطي ما هو يسير [كالطعام والكساء]؟!
في إحدى الأيام، جلس المسيح على الجبل يعلم جموع كثيرة تقدر بالآلاف، كان عدد الرجال فيهم فقط نحو خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال. وحين بدأ النهار يميل (لو12:9)، قال له تلاميذه: "الموضع خلاء والوقت قد مضى، اصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاماً" (مت15:14)، "لأن ليس عندهم ما يأكلون" (مر36:6). فقال المسيح لهم: "اعطوهم أنتم ليأكلوا" (لو13:9)، ثم وجه كلامه لأحد تلاميذه وهو فيلبس وقال له: "من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء؟" (يو5:6)، إنما قال هذا ليمتحنه لأن المسيح علم ما هو مزمع أن يفعل (يو6:6). "أجابه فيلبس: لا يكفيهم خبز بمئتي دينار، ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً" (يو7:6). ثم قال تلميذ آخر: "هنا غلام معه خمسة أرغفة وسمكتان، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟!" (يو9:6). فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين وباركهن ثم كسر واعطى تلاميذه ليقدموا للجموع (لو16:9). فأخذ الجمع من الخبز والسمك بقدر ما شاءوا، فلما شبعوا قال المسيح لتلاميذه: "اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء. فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين!!" (يو12:6-14). يالها من معجزة!!
مرة أخرى نعود لتعليم المسيح، الذي ختمه بتشجيع أتباعه على ألا يخافوا كسائر الشعوب والديانات من الخوف المرضي من جهة مستقبلهم؛ بل عليهم أن يضعوا الله على قائمة أولوياتهم، وهم واثقين أنه يهتم بإحتياجاتهم وسيعطيهم أكثر مما يطلبوا أو يفتكروا (أف20:3). لذا ختم تعليمه بقوله: "فلا تحملوا الهم قائلين: ما عسانا نأكل؟ أو ما عسانا نشرب؟ أو ما عسانا نكتسي؟ فهذه الحاجات كلها تسعى إليها الأمم. فإن أباكم السماوي يعلم حاجتكم إلى هذه كلها. أما أنتم، فاطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم. لا تهتموا بأمر الغد، فإن الغد يهتم بأمر نفسه. يكفي كل يوم ما فيه من سوء!" (مت31:6-34).
عزيزي.. تذكر دائماً أن القليل في يد المسيح أشبع آلاف! فلا تخف من ضعف إمكانياتك، فقط ضعها بين يديه وثق أن بركته تغني ولا يزيد معها تعباً (أم22:10). تعال إليه بأحمالك وهمومك وضعف إمكانياتك وأطلب منه أن يغيرك ويملأك سلام من جهة المستقبل. فالذي قال قديماً للموتى قوموا فقاموا، هو ذاته الذي يقول لقلبك المضظرب اليوم: "لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" (يو27:14). فقط هو يدعوك اليوم قائلاً لك: "تعالوا إلي ياجميع المتعبين والرازحين تحت الأحمال الثقيلة، وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم، وتتلمذوا على يدي، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا الراحة لنفوسكم" (مت28:11-29).


<<   السابق       التالي   >>

Comments

Popular posts from this blog

هل يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المسيحي الحقيقي؟

مينا م. يوسف مقدمة: تمتليء المكتبات المسيحية والمنابر الكنسية بالعديد من التعاليم الغريبة التي ظهرت مؤخراً، والتي تنادي بأن المؤمنين الحقيقيين بالمسيح يمكن أن تسكن أجسادهم أو نفوسهم أرواحاً شريراً؛ ويكونون كغير المؤمنين في إحتياج لطردها من حياتهم عبر مؤمن آخر. -          فهل حقاً يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المؤمنين؟ -          وهل يوجد أدلة كتابية تؤكد أو تنفي ذلك؟ -          ومدى خطورة رفض أو قبول هذا التعليم؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي يحاول الباحث من خلال هذا البحث الإجابة عليها. أولاً: التيار المؤيد لسكنى الأرواح الشريرة في المؤمن الحقيقي: 1-     بماذا يعتقدون: يؤمن هذا التيار بأن سيطرة الأرواح الشريرة على البشر، لا تتوقف عند سكناها في أجساد الأشرار، بل تمتد لتسيطر وتسكن حتى في المؤمنين الحقيقيين! ويفرقون جسادفففف في تعاليمهم بين أن يلبس (يمتلك) شخص من روح شرير وأن يسكن فيه روح شرير. فيرون أن "الامتلاك من الروح الشرير" هو أمر يخص غير المؤمنين، فهم وحدهم يمكن للأرواح الشريرة أن تمتلكهم وتسيطر عليهم بالكامل. أما المؤمنين فلا يمكن ل

تدابير مبعثرة أم خُطة واحدة

بقلم: مينا ميشيل يوسف إن الخلاف الكبير بين اللاهوت العهدي والتدبيري هو خلاف تفسيري في الأساس. فالأخير يحاول شرح وتفسير ما قاله العهد الجديد في ضوء ما قيل عن إسرائيل والوعود في العهد القديم. هذا يخالف ما فعله رسل المسيح وتلاميذه، إذ قاموا بشرح ما قاله العهد القديم عن إسرائيل والعهود في ضوء الإعلان الأكمل في شخص وعمل المسيح في العهد الجديد. في هذا المقال سنتفحص كيف ينظر كل من اللاهوت التدبيري والعهدي لأسفار وأحداث الكتاب المقدس ككل. يؤمن الفكر التدبيري بأن الله قسم الزمن إلى سبعة تدابير، ويتميز كل تدبير بأن الله كان يصنع خُطة أو عهدًا ثم يأتي الإنسان ويُفشل هذا العهد. وتختلف معاملات الله مع الإنسان وفقًا للمبادئ التي كانت تحكم هذا العهد. فهناك تدبير للنعمة وآخر للناموس، وهذا مختلف ومنفصل عن ذاك. فإسرائيل كانت تحت تدبير الناموس، أما الكنيسة فهي تحت تدبير النعمة. والنعمة كانت غائبة في زمن الناموس، كما أن الناموس غائب في زمن النعمة. وبحسب الفكر التدبيري، كانت إسرائيل تحت تدبير الناموس تتبرر بأعمال الناموس، أما الكنيسة فهي تتبرر بالإيمان بيسوع المسيح. وبركات إسرائيل كانت

تعاليم المسيح.. لا تكذب

وصية اليوم.. لا تكذب     مينا ميشيل ل. يوسف أعلن الله على صفحات الكتاب المقدس بقسميه التوراة والإنجيل، بأنه  "الصادق " (نح8:9):  فهو  ليس إنساناً فيكذب  (عد19:23)؛  وبأنه  "المستقيم " (مز8:25):  فهو أبداً  لا يغير ما خرج من شفتيه  (مز34:89)؛  وبأنه  "القدوس " (مز3:99):  الذي  عيناه أطهر من أن تنظرا للشر  (حب13:1)، ولا يسر بالشر والشرير لا يساكنه  (مز4:5)! لذا، ففي شريعته التي أعطاها على يد موسى النبي، أوصى الرب الإله قائلاً لكل إنسان وعلى مر العصور:  "لا تكذب، ولا تغدر بصاحبك، لا تحلف باسمي كاذبا، فتدنس اسم إلهك. فأنا الرب "  (لا11:19و12). ومن بعده جاء داود النبي والملك، وفي إحدى صلواته لله قال له:  " [أنت]  تهلك الناطقين بالكذب، لأنك تمقت سافك الدماء والماكر "  (مز6:5). ويعوزني الوقت إن أخبرت أيضاً عن كل ما قاله نبيه سليمان بخصوص الكذب وخطورة نتائجه (أم17:20)، ولكن فقط أورد قولاً واحداً له:  "كراهة الرب شفتا كذب. أما العاملون بالصدق فرضاه "  (أم22:12). وقد وضع الله تشريعه هذا ضد كافة ألوان الكذب وسط عالم مل