Skip to main content

تعاليم المسيح.. الطلاق


وصية اليوم.. الطلاق!! لما لا؟!
مينا ميشيل ل. يوسف

ذات يومٍ جاء إلى المسيح بعض رجال الدين ليجربوه قائلين: "هل يحل للرجل أن يطلق زوجته لأي سبب؟!" (متى ١٩: ٣). وليس مجالنا الآن البحث في دافعهم وراء هذا التساؤل، أبقصد أن يدفعوه للتهجم على هيرودس الملك الذي كان قد تزوج من زوجة أخيه (مرقس ٦: ١٧)[1]، أم بقصد معرفة إلى أي مدرسة فقهية يهودية كان ينتمي: أإلى القائلين أنه لا طلاق إلا بسبب الزنى (مدرسة شمعي)، أم إلى القائلين بإباحة الطلاق لكل سبب (مدرسة هليل)[2]. ولكن، موضوع حديثنا اليوم هو أن ذات هذا التساؤل لا يزال مطروحاً على المسامع إلى اليوم. ففي كثير من البلدان والأديان، لا يوجد ضوابط للطلاق، فلأي سبب ولكل سبب يمكن للرجل أن يطلق زوجته؛ ناقضاً بذلك عهد الزواج، غادراً بزوجة صباه (ملاخي ٢: ١٤)! فماذا كان جواب المسيح؟
بدلاً من أن يجيبهم بشكل مباشر عن الطلاق، حدثهم عن الزواج! عن أول زواج في التاريخ، والذي يعد النموذج والمثال الذي علينا أن نتبعه؛ عن "كيف كانت البداية؟!". ليؤكد لهم بذلك أن الطلاق لم يكن في قصد الله عندما خلق آدم. فحتى لو سُمِح بالطلاق الذي يبغضه الله (ملاخي ٢: ١٣)، فإن هذا الفعل سيكون دوماً خروج عن النموذج الذي وضعه الله للزواج[3]. كما أن تعدد الزوجات أيضاً لم يكن جزءاً أصيلاً في قصد الله من الزواج، وإلا لكان قد خلق لآدم أكثر من حواء!
كما أن الله لم يخلق المرأة من التراب مثلما خلق آدم، إنما خلقها من زوجها؛ للتأكيد على أنهما في الأساس كيان واحد[4]! وفي إطار الزواج يعود ليتجلى ذلك الإتحاد والتوحد بين الإثنان عاطفياً وفكرياً وجسدياً كأنهما إنسان واحد، لا يفصل بينهما إلا الموت (رومية ٧: ٢-٣).
لذا أكمل المسيح كلماته لهم قائلاً: "فالخالق جعل الإنسان منذ البدء ذكرا وأنثى، وقال لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويتحد بزوجته، فيصير الاثنان جسدا واحدا. فليسا في ما بعد اثنين، بل جسد واحد. فلا يفرقن الإنسان ما قد قرنه الله" (متى ١٩: ٤-٦)!
فسألوه قائلين: "فلماذا أوصى موسى بأن تعطى الزوجة وثيقة طلاق فتطلق؟" (متى ١٩: ٧)، فجاءت إجابة المسيح ملفتة للنظر؛ فما وصفوه هم بأنه وصية، وصفة المسيح بأنه إذناً[5]!! كما أن موسى النبي في التوراة لا نجده يمتدح ولا يحظر الطلاق؛ إنما كان هدفه من حديثه عنه في (تثنية ٢٤: ١-٤)، هو التأكيد على أنه يمنع على الرجل أن يتزوج ثانية زوجته السابقة[6]. فقال لهم المسيح: "بسبب قساوة قلوبكم، سمح لكم موسى بتطليق زوجاتكم. ولكن الأمر لم يكن هكذا منذ البدء!" (متى ١٩: ٨). فالطلاق -بحسب تعليم المسيح هنا- ينم عن قساوة القلب!
·        تلك القساوة التي تجعل الرجل غير مكتفي بزوجة واحدة، غير ممسكاً عيناه عن إمتلاك كل ما اشتهاه (جامعة ٢: ١٠)، إلى حد أنه قد يشتهي أمرأة قريبه (خروج ٢٠: ١٧)! في الوقت الذي يعلم الإنجيل كل شخص غير المسيح قلبه قائلاً: "ليكن لكل رجل زوجته، ولكل امرأة زوجها" (1كورنثوس ٧: ٢).
·        تلك القساوة التي تدفع الزوجة إلى التسلط والسيطرة على رجلها، غير مكتفية بدورها ومكانتها التي رتبها الله لها. تلك القساوة التي تجعل الرجل يضرب إمرأته ويهجرها، في الوقت الذي يحث الإنجيل الأزواج قائلاً: "أيتها الزوجات اخضعن لأزواجكن كما يليق في الرب. أيها الأزواج، أحبوا زوجاتكم، ولا تعاملوهن بقسوة." (كولوسي ٣: ١٨-١٩)؛ وأيضاً: "وأنتم، أيها الأزواج، إذ تساكنون زوجاتكم عالمين بأنهن أضعف منكم، أكرموهن باعتبارهن شريكات لكم في وراثة نعمة الحياة.." (1بطرس ٣: ٧).
·        تلك القساوة التي تصنع التمييز وتجعل أحد الطرفان ينظر للآخر على أنه أقل شأناً أو مكانةً منه، في الوقت الذي يعلمنا الإنجيل: "أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب. لأنه كما أن المرأة هي من الرجل هكذا الرجل أيضا هو بالمرأة" (1كورنثوس ١١: ١١). أو كما قال أحد آباء الكنيسة في القرن الخامس عن المرأة أنها: "لم تخلق من رأس الرجل لئلا تتسلط عليه، ولم تخلق من رجله لئلا تكون عبدة له؛ إنما خلقت من ضلعه لتكون قريبة من قلبه!"[7].
·        تلك القساوة التي لا ترى في المرأة سوى أنها مصدر الشهوة ومجرد أداة لإشباع الرجل؛ في الوقت الذي نرى فيه المسيح يتعامل بمنتهى العفة والسمو مع كل امرأة قابلها حتى لو كانت خاطئة (يوحنا ٤: ١-١٩)! وكثيرات من النسوة كن يرافقنه في جولاته التبشيرية مع تلاميذه وكن يعضدن خدمته من أموالهن (لوقا ٨: ١-٣).
·        تلك القساوة التي تدفع أحدهما ليبني زيجته على الإنتفاع، فمتى قضيت المنفعة فض الزواج! تلك القسوة التي تدفع للزواج من الآخر بغرض إشباع الرغبات والأخذ منه، في الوقت الذي يعلمنا فيه المسيح أن: "الغبطة في العطاء أكثر مما في الأخذ" (أعمال الرسل ٢٠: ٣٥). ويدعو فيه الإنجيل الأزواج أن يحبوا زوجاتهم محبة باذلة كحبهم لأنفسهم ولأجسادهم (أفسس ٥: ٢٥-٣٣).

ثم ختم المسيح حديثه معهم مؤكداً إن الطلاق دون أسباب حقيقية (الخيانة الزوجية) لا يكسر عهد الزواج، لذا فهو يعد زنى[8]! فقال لهم: "إن الذي يطلق زوجته لغير علة الزنى، ويتزوج بغيرها، فإنه يرتكب الزنى. والذي يتزوج بمطلقة، يرتكب الزنى" (متى ١٩: ٩). فلا يجوز الطلاق إلا في حالة خيانة أحد الطرفان؛ إذ يعتبر ذلك كسراً لعهد الزواج[9].

عزيزي.. لتكن كلمات المسيح هنا علامات لك على طريق زواجك: فكن مدققاً وتمهل في اختيارك لشريك حياتك (مازجاً بين التفكير العميق والصلاة الجادة)؛ فالزواج عهد بين طرفان وأمام الله (أمثال ٢: ١٧)، فلا يجوز نكثه. كما أن على الأزواج المسيحيين أن يدركوا أنه "إن لم يبن الرب بيتهم فباطلاً يتعبون هم في بناءه" (مزمور ١٢٧: ١)؛ لذا أدعوهم أن يخصصوا يومياً وقتاً للتواصل معاً وأيضاً للصلاة سوياً، طالبين من الله أن يؤيدهم بالقوة التي يحتاجونها ليحبوا بعضهم بعضاً من قلب نقي، محبة باذلة، ويعطيهم القدرة على أن يسامحوا بعضهم لبعضاً؛ وأن يطلبوا مشورة أحد المرشدين الروحيين متى تعسر زواجهم. وإذا كان أحد الطرفان ليس مسيحياً حقيقياً بعد، أدعو الطرف الآخر أن يصلي له كثيراً، عسى يفتح الله قلبه ويغيره (1بطرس ٣: ١-٢؛ كورنثوس ٧: ١٦).


[1]  بولس فغالي، انجيل مرقس الجزء الثاني. (جونية: المكتبة البولسية، 1996)، 167
[2]  مجموعة من اللاهوتيين، دائرة المعارف الكتابية على CD. (القاهرة: دار الثقافة، 2001)، حرف ط: الطلاق
[3]  جون ستوت، المسيحية والقضايا المعاصرة. (القاهرة: دار الثقافة، 1999)، 268
[4] St. Augustine, “On the good of marriage”, site of Online Parallel Bible Project. Read on 04/04/11. Available on http://christianbookshelf.org/augustine/on_the_good_of_marriage/section_1_forasmuch_as_each.htm
[5]  جون ستوت، المسيحية والقضايا المعاصرة. (القاهرة: دار الثقافة، 1999)، 271
[6]  المرجع السابق، 268
[7]  بولس الفغالي، سفر التكوين. (جونيه: منشورات المكتبة البولسية، 1988)، 47
[8]  كريج. س. كينر، الخلفية الحضارية للكتاب المقدس الجزء الأول. (القاهرة: دار الثقافة، 2005)، 84
[9]  المرجع السابق، 51


<<     السابق        التالي   >>

Comments

Popular posts from this blog

هل يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المسيحي الحقيقي؟

مينا م. يوسف مقدمة: تمتليء المكتبات المسيحية والمنابر الكنسية بالعديد من التعاليم الغريبة التي ظهرت مؤخراً، والتي تنادي بأن المؤمنين الحقيقيين بالمسيح يمكن أن تسكن أجسادهم أو نفوسهم أرواحاً شريراً؛ ويكونون كغير المؤمنين في إحتياج لطردها من حياتهم عبر مؤمن آخر. -          فهل حقاً يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المؤمنين؟ -          وهل يوجد أدلة كتابية تؤكد أو تنفي ذلك؟ -          ومدى خطورة رفض أو قبول هذا التعليم؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي يحاول الباحث من خلال هذا البحث الإجابة عليها. أولاً: التيار المؤيد لسكنى الأرواح الشريرة في المؤمن الحقيقي: 1-     بماذا يعتقدون: يؤمن هذا التيار بأن سيطرة الأرواح الشريرة على البشر، لا تتوقف عند سكناها في أجساد الأشرار، بل تمتد لتسيطر وتسكن حتى في المؤمنين الحقيقيين! ويفرقون جسادفففف في تعاليمهم بين أن يلبس (يمتلك) شخص من روح شرير وأن يسكن فيه روح شرير. فيرون أن "الامتلاك من الروح الشرير" هو أمر يخص غير المؤمنين، فهم وحدهم يمكن للأرواح الشريرة أن تمتلكهم وتسيطر عليهم بالكامل. أما المؤمنين فلا يمكن ل

تدابير مبعثرة أم خُطة واحدة

بقلم: مينا ميشيل يوسف إن الخلاف الكبير بين اللاهوت العهدي والتدبيري هو خلاف تفسيري في الأساس. فالأخير يحاول شرح وتفسير ما قاله العهد الجديد في ضوء ما قيل عن إسرائيل والوعود في العهد القديم. هذا يخالف ما فعله رسل المسيح وتلاميذه، إذ قاموا بشرح ما قاله العهد القديم عن إسرائيل والعهود في ضوء الإعلان الأكمل في شخص وعمل المسيح في العهد الجديد. في هذا المقال سنتفحص كيف ينظر كل من اللاهوت التدبيري والعهدي لأسفار وأحداث الكتاب المقدس ككل. يؤمن الفكر التدبيري بأن الله قسم الزمن إلى سبعة تدابير، ويتميز كل تدبير بأن الله كان يصنع خُطة أو عهدًا ثم يأتي الإنسان ويُفشل هذا العهد. وتختلف معاملات الله مع الإنسان وفقًا للمبادئ التي كانت تحكم هذا العهد. فهناك تدبير للنعمة وآخر للناموس، وهذا مختلف ومنفصل عن ذاك. فإسرائيل كانت تحت تدبير الناموس، أما الكنيسة فهي تحت تدبير النعمة. والنعمة كانت غائبة في زمن الناموس، كما أن الناموس غائب في زمن النعمة. وبحسب الفكر التدبيري، كانت إسرائيل تحت تدبير الناموس تتبرر بأعمال الناموس، أما الكنيسة فهي تتبرر بالإيمان بيسوع المسيح. وبركات إسرائيل كانت

تعاليم المسيح.. لا تكذب

وصية اليوم.. لا تكذب     مينا ميشيل ل. يوسف أعلن الله على صفحات الكتاب المقدس بقسميه التوراة والإنجيل، بأنه  "الصادق " (نح8:9):  فهو  ليس إنساناً فيكذب  (عد19:23)؛  وبأنه  "المستقيم " (مز8:25):  فهو أبداً  لا يغير ما خرج من شفتيه  (مز34:89)؛  وبأنه  "القدوس " (مز3:99):  الذي  عيناه أطهر من أن تنظرا للشر  (حب13:1)، ولا يسر بالشر والشرير لا يساكنه  (مز4:5)! لذا، ففي شريعته التي أعطاها على يد موسى النبي، أوصى الرب الإله قائلاً لكل إنسان وعلى مر العصور:  "لا تكذب، ولا تغدر بصاحبك، لا تحلف باسمي كاذبا، فتدنس اسم إلهك. فأنا الرب "  (لا11:19و12). ومن بعده جاء داود النبي والملك، وفي إحدى صلواته لله قال له:  " [أنت]  تهلك الناطقين بالكذب، لأنك تمقت سافك الدماء والماكر "  (مز6:5). ويعوزني الوقت إن أخبرت أيضاً عن كل ما قاله نبيه سليمان بخصوص الكذب وخطورة نتائجه (أم17:20)، ولكن فقط أورد قولاً واحداً له:  "كراهة الرب شفتا كذب. أما العاملون بالصدق فرضاه "  (أم22:12). وقد وضع الله تشريعه هذا ضد كافة ألوان الكذب وسط عالم مل