Skip to main content

ها قد انتصر الداعشي!.. قصة قصيرة

مينا يوسف

تنويه: تتشابه الكثير من أحداث هذه القصة
 مع ما حدث منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ولا يزال يحدث

ها قد انتصر عبد الضار الداعشي ودخل قريتنا غازياً منتصراً على جثث الملايين من اعدائه واتباعه! محاطاً بالآلاف من جنوده ومريديه وهم يكبرون بصيحات النصر: "الله أكبر ولله الحمد". وسكان البلدة الأبرياء يتوارون ويرتجفون داخل بيوتهم. لأول مرة يشعرون أنهم عرايا وحوائط بيوتهم لا تسترهم والأبواب لا تقوى على حمايتهم من بطش الداعشي.
نصبوا له خيمة ملكه الحمراء المصطبغة بدماء كل من تجرأ ووقف في وجهه وهو آت ليغزوا البلاد كالسيل الجارف. ودخل وجلس على كرسيه، وكاد ألا يصدق ما انعم الله به عليه من نصر مبين على اعداء الدين. وكسر الصمت الذي خيم على اتباعه في مجلسه قائلاً: "الحمد لله.. أخيراً أتيت لأقيم شرع الله.. ادخلوا لي النسوة." فقدموا له بعض من نساء البلدة ليعلنوا إما اسلامهم أمامه وخضوعهم له، او ليرى ماذا يصنع بهن. فأدخلوا له تلك المرأة وطرحها الجنود عند قدميه.

الداعشي: وصل إلى مسامعي هجائك لي وسبابك عليّ وعلى الله..
فاستجمعت قواها وأجابته قائلة: لقد كان هجائي ضدك أنت، فلما تقرن نفسك بالله؟
الداعشي: أنا هنا لأطبق شرع الله! على الجميع طاعتي كما يطيعون الله، ويسمعوا ويذعنوا لي وأنا أتمم ما أوصى به الله.
ثم التفت إلى جنوده وقال لهم: خذوها وافعلوا بها كما يروق لكم، وقبل الفجر اقتلوها.. لتكون عبرة لكل من تسول له نفسه الافتراء على شرع الله.
فصرخت بشدة وهي تحاول تقبيل قدميه: أرحمني.. أرحمني!
فركلها الداعشي بقدمه ووجه لها اصبعه قائلاً: ما سيفعلونه بك هو عين الرحمة.. الرحمة هي أن نخلصك من حياتك ونذبحكِ تكفيراً عن ذنوبك، ونرسلك لله ليحاسبك على شرورك!
فقرعت على صدرها وهي تنوح وتبكي محاولة استعطافه قائلة: وماذا عن صغاري لمن أتركهم؟ وطفلي الرضيع من يعتني به بعد أن قتلت أهلي جميعا؟
فقال لها بنبرة قاسية وقد احمرت وجحظت عيناه: اتركيهم للجحيم وللعذاب الأليم! سنبيعهم عبيداً وبناتك متاع لنا. ولن نعتقهم إلا إذا قبلوا ديننا وجاهدوا في صفوف جيش الفاتحين.. هيا، خذوها من هنا.

فأخذها بعض الجنود متهللين، كمن وجد كبشاً للذبح، ليشبعوا غرائزهم الهائجة ونفوسهم المتعطشة نحو سفك الدماء. ثم أدخلوا عليه امرأة أخرى وهي لا تقوى على السير والجروح والتشوهات تملأ وجهها وجسدها، من فرط ما فعله الداعشيين بها من اغتصاب وذل. وما ان دخلت حتى سقطت على ركبتيها من فرط الإرهاق.
استجمعت قواها وقالت له بإنكسار: اريد عفوك!! لقد سلبتوا أرضي واستبحتوا عِرضي وقتلتوا أهلي. أنا على استعداد أن افعل أي شيء في سبيل أن أحتفظ بآخر حق أملكه.. أن عيش!
الداعشي: ولن تشركي بالله بعد اليوم؟
قالت:     لم اشرك به أحداً يوماً، لقد عشت أنا وآبائي وأجدادي في خوف الله طيلة عمرنا دون أن نشرك به أحداً قط.

الداعشي: ولن تعودي للزني؟
قالت:     أنا من الأحرار، لم أزن في حياتي قط. واغتصاب جنودك لي ما هو إلا نتاج تشريعك لهم بجهاد النكاح، واغتصابنا نحن الشرفاء كجواري، وأخذنا ضمن سبايا الحروب.

الداعشي: ولا لوأد البنات.
هي:      لم اقتل أحداً من بناتي أو أولادي قط. لقد ربيتهم حتى كبروا وشهد الجميع لاخلاقهم وحسن معشرهم. ولكنهم ماتوا في الحرب ضد جيشك، وحتى منهم من انضم لصفوفك، جميعهم ماتوا. لقد قاتل اولاد رحمي بعضهم بعضاً، فمات الجميع بسببك!

الداعشي: الذين ماتوا في جيشي هم شهداء في سبيل تطبيق شرع الله.
هي:      نعم، ولكن في سعيك نحو تطبيق شرع الله، تعديت على كافة القوانين الإلهية والإنسانية البسيطة. أبحت الكذب والزنى وشجعت الأخ على أن يقتل أخاه، فماذا تبقى من شرع الله حتى تقيمه؟


Comments

Popular posts from this blog

هل يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المسيحي الحقيقي؟

مينا م. يوسف مقدمة: تمتليء المكتبات المسيحية والمنابر الكنسية بالعديد من التعاليم الغريبة التي ظهرت مؤخراً، والتي تنادي بأن المؤمنين الحقيقيين بالمسيح يمكن أن تسكن أجسادهم أو نفوسهم أرواحاً شريراً؛ ويكونون كغير المؤمنين في إحتياج لطردها من حياتهم عبر مؤمن آخر. -          فهل حقاً يمكن للأرواح الشريرة أن تسكن في المؤمنين؟ -          وهل يوجد أدلة كتابية تؤكد أو تنفي ذلك؟ -          ومدى خطورة رفض أو قبول هذا التعليم؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي يحاول الباحث من خلال هذا البحث الإجابة عليها. أولاً: التيار المؤيد لسكنى الأرواح الشريرة في المؤمن الحقيقي: 1-     بماذا يعتقدون: يؤمن هذا التيار بأن سيطرة الأرواح الشريرة على البشر، لا تتوقف عند سكناها في أجساد الأشرار، بل تمتد لتسيطر وتسكن حتى في المؤمنين الحقيقيين! ويفرقون جسادفففف في تعاليمهم بين أن يلبس (يمتلك) شخص من روح شرير وأن يسكن فيه روح شرير. فيرون أن "الامتلاك من ال...

تعاليم المسيح.. لا تقتل

وصية اليوم.. لا تقتل!! مينا ميشيل ل. يوسف وسط عالم يبيح قتل المعارضين ويقنن سحق المختلفين، وبدمٍ بارد يذبحهم بدعوة إرساء الاستقرار أو حماية المعتقد. آتى المسيح ليقدم أكثر من مجرد وصية بعدم القتل، آتى داعياً تابعيه إلى ضرورة بذل الجهد   ليصنعوا سلاماً حتى مع ألد أعدائهم (مت9:5)! ومرة أخرى يعود المسيح ليؤكد على أن القتل شأنه شأن أي شر آخر، ينبع من الداخل وليس مجرد فعلاً خارجياً. " لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنى فسق قتل.. " (مر21:7). لذا، فلا عجب أن نجد النبي سليمان في القديم يوصنا قائلاً: " فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لان منه مخارج الحياة " (أم23:4). فكم من نفوس تبدو ظاهرياً كأشخاص مسالمة، وداخلهم وح و شٍ كاسرة مليئة بالغضب وشهوة الإنتقام!  لذا فقد أكد المسيح في تعاليمه على أن الإمتناع عن القتل ليس كافياً، إنما الإحتياج الأكبر هو إلى إزالة روح الغضب والإنتقام من الداخل، قائلاً: " قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم !" (مت21:5-22...

الخطية الأصلية [2/ 8]: الطبيعة الفاسدة

مينا م. يوسف [إن تأملت بما لي من خير قلت أي شيء لي ولم آخذه منك؟ وإن كنت أخذته فلم اتباهي كأني  ما أخذته؛ أنا ما استطعت من نفسي شيئاً، سوى أن أهلكها. وما عرفت أن أجدك أنت يا صانعي لو لم تطلبني.] (القديس أوغسطينوس) [1] إن مصطلح الخطية الأصلية كغيره من المصطلحات اللاهوتية لم يرد في الأسفار المقدسة مباشرة، لكنّه يلخص حقيقتان هامتان للغاية: الفساد الموروث والذنب الموروث. في هذا المقال سنرّكز على الفساد الموروث، تاركين الحديث عن الذنب الموروث لمقالنا التالي. في كتابه أصول الإيمان المسيحي، عرّف جون كالفن الخطية الأصلية بأنها: الانجذاب والفساد الموروث لطبيعتنا، المنتشر من خلال كل أجزاء النفس، مما يضعنا تحت غضب الله الرهيب، وينتج فينا تلك الأعمال التي يدعوها الكتاب المقدس "أعمال الجسد". (غلاطية 5: 19) [2] لم يخلق الله الإنسان الأول وبداخله ميل أو ضعف نحو العصيان؛ كما أن الخطية ليست جزءاً أصيلاً ينتمي إلى الطبيعة البشرية أو الصورة التي خلقنا الله عليها في البدء، [3] إنما كما يقول الرسول بولس: "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ". (رو...